الحالة الشيعية في "إيران وأذربيجان وتركيا وأفغانستان"

Submitted by ياسر الغرباوي on جمعة, 05/10/2013 - 13:26

تأتي هذه الدراسة كمحاولة لفهم الحالة الشيعية بكافه أبعادها السوسيولوجية ، وسنركز فى هذه الورقة على الحالة الشيعية في أربع دول خارج العالم العربي هى: إيران وأذربيجان وتركيا وأفغانستان بوجه خاص بحكم وجود تركز ديمراغرفي شيعي كبير ونشط فيها، وكون هذه الدول حاضرة فى قلب الأحداث الجيواستراتيجية العالمية والإقليمية الجارية ،على وعد باستكمال دراسة باقى الدول ذات العلاقة بالظاهرة لاحقا بحول الله.

وبداية نتساءل: لماذا ندرس هذا الموضوع بواسطة أداة الجغرافيا السياسية؟

بين الجغرافيا والتشيع

لكن ما العلاقة إذن بين الجغرافيا السياسية والحالة الشيعية؟ أو كيف يمكن الإفادة من هذا المعطى العلمي في فهم طبيعة تلك الحالة وحركتها؟ أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تتحدد من خلال إدراك مجموعة من الحقائق، لعل أهمها:

أولا: أن الميدان الجغرافيا السياسية هو البحث في أثر الأرض على السياسية، وأثر الأرض يتسع ليشمل كل مع عليها من الثروات والمعابر البحرية إلخ... في الإقليم، وتشمل أيضا السكان من حيث عددهم وحجمهم وتركيبتهم السكانية والعرقية والدينية، والحالة الشيعية من الزاوية الديموغرافية تؤثر في كثير من سياسيات الدول الإسلامية وخاصة التي يشكلون فيها أغلبية سكانية كإيران وأحيانا عندما يكونون أقلية مؤثرة مثل الأقلية الشيعية في جنوب لبنان ووسط أفغانستان.

ثانيا: الجغرافية السياسية تهتم بمستقبل الدول سياسيا وتهتم باستشراف المستقبل بمعنى أنها تتعامل مع الدول كظواهر متحركة تخضع للتمدد والانكماش، والحالة الشيعة أيضا متحركة وتخضع للتمدد والانكماش ، ونجحت تاريخياً في إقامة دول وممالك، مثل دولة الفاطميين في الشمال الإفريقي والدولة البويهية في العراق، ونجح الحشد الجماهيري الشيعي من خلال رجال الدين وعلى رأسهم الخميني في الإطاحة بنظام الشاه في إيران في العصر الحديث.

ثالثا: الجغرافية السياسية تبرز أهميتها بشكل أكبر في الأماكن الساخنة في العالم، أماكن الصراعات والتنافس بين القوى المهيمنة الكبرى، والأماكن الساخنة في الساحة الإسلامية والعربية الآن تبدو الحالة الشيعية حاضرة فيها بشكل من الأشكال، فمعارك حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان، والصراع الأمريكي / الإيراني في المنطقة، والثورة السورية وتقاطعها مع الحالة الشيعية يعد من أبرز التحديات الإقليمية فى الوقت الراهن، والصراع الطائفي في العراق، والاحتقان الداخلي في باكستان، والنزاع في أفغانستان، القاسم المشترك بينهم جميعاً هو وجود الطرف الشيعي المؤثر والفاعل في النزاع ونحن عندما نشير للدور الشيعي في هذه الملفات لا يعني ذلك تقييما لهذا الدور سلبا أو إيجابا فلسنا في محل نقاش وتقيم الأدوار.

رابعا: بعض الخبراء المتخصصين في الجغرافيا السياسية مثل -فرنسوا تويال المنظر الإستراتيجي الفرنسي- يعتبرون أن الشيعة يمتلكون رؤية نهائية للعالم تتمثل في فلسفة انتظار المهدي المنتظر، وما يستتبع ذلك من ضرورة تهيئة المشهد العالمي لخروجه وفق بعض الروايات الشيعية والتي يمكنها أن تؤثر في السياسية العالمية من خلال تبني بعض القادة الإيرانيين العسكريين ومن هم في سدة الحكم لها، والتي ربما تدفعهم للإقدام على الدخول في نزاعات كبرى.

خامسا: الجغرافية السياسية تتمركز فلسفتها على محاولة فهم أسباب الصراع بين الدول والوحدات السياسية والتي غالبا ما تكون صراعات حول الثروات والاستفادة منها وحرية الوصول لها، من هذه الزاوية يمكن فهم ما نادى به الكاتب الأمريكي من أصل إيراني ولي نصر في كتابه صعود الشيعة، من دعوة الإدارة الأمريكية إلى ضرورة الحوار مع الشيعة بدل المواجهة والصدام؛ لأنهم من الناحية الديموغرافية لهم الغلبة في التمركز الديموغرافي السكاني حول شريط النفط في الخليج العربي شرقا وغربا.

سادسا: الجغرافيا السياسية تحاول جاهدة استشراف مستقبل النزاعات الساخنة في العالم، وما سيتمخض عنها من نتائج، والأماكن الساخنة في العالم العربي والإسلامي الآن مستقبلها محكوم بدرجة من الدرجات بالتقاطع مع الحالة الشيعية، فاستقرار العراق والحرب في أفغانستان واستقرار جنوب لبنان ومستقبل الثورة السورية وملف الفصائل الفلسطينية وعلاقتها بإيران كلها تدفع في اتجاه أن بعض مشاهد المستقبل في المنطقة العربية والإسلامية مرهونة بحسن التعاطي والتعامل مع الحالة الشيعية، سواء تمثلت في دولة كإيران، أو تجسدت في حركة كحركة حزب الله.

ومن خلال ما تقدم يتضح مدى الحاجة للإبحار خلف الحالة الشيعية من زاوية الجغرافية السياسية، وضرورة سبر أغوارها طولا من خلال دارسة أماكن النشأة ومسارات الهجرة وأماكن التمركز والتأثير

المشهد الديمرغرافي العام

عند دراسة حالة الشيعية في العالم الإسلامي لا بد أن نعرف أن العالم الإسلامي على مستوى الإحصاء السكاني مليار و200 مليون مسلم، هذا العدد خلال 20 سنة مرشح لأنْ يصل إلى 2 مليار مسلم، ونسبة الشيعة في مجمل سكان العالم الإسلامي تقريبًا ما بين 10- 12% تقريبًا؛ فمجمل عدد الشيعة في الجسم الإسلامي العربي وغير العربي -بغض النظر عن التصنيف الداخلي علويين أو زيديين أو اثني عشريين- تقريبًا 200 مليون نسمة.وتتركز المحطات الكبرى للحالة الشيعية في دولتين إسلاميتين خارج العالم الإسلامي فيهم غالبية وليست أقلية وهما إيران وأذربيجان، حيث اعتمدت في الإحصائيات على مرجع لأحد الباحثين الفرنسيين هو "كتاب الشيعة في العالم" الصادر عام 2007م، الذي بيّن أن نسبة الشيعة في إيران تتراوح ما بين 90: 95 % من مجمل السكان، وفي أذربيجان تتراوح من 75: 80% من مجمل السكان، وفي تركيا من 15 إلى 20%، وأفغانستان من 8: 15%.

أولاً: دولة إيران

إيران محور الارتكاز الشيعي الأساسي:

إيران دولة قوية فى الإقليم، وليست -أيضًا- ضيفًا غريبًا على المنطقة الإسلامية؛ فتاريخ الدولة الإيرانية عميق حيث كونت نظامًا مركزيًّا حاكماً منذ ( 5000 عام)، وإيران لم تخضع للاستعمار المباشر بشكل حاد، ولكن خضعت لهيمنة كبيرة جدًّا من الأطراف المحيطة بها، والتشكل الشيعي تقريبًا بدأ في إيران في القرن الـ16 بعد تولي الصفويين مقاليد الحكم في الإقليم الإيراني.

المساحة الجغرافية لإيران:

إيران مساحتها تقريبًا مليون و600 ألف كم2 تقريبًا، وتحتل الترتيب 18 فى قائمة أكبر الدول مساحة ، حدودها ممتدة مع العراق ومع تركيا وأفغانستان وأذربيجان وتركمانستان، ومطلة على بحر قزوين، ومطلة على الخليج العربي، وخليج عمان. وأما طول الحدود الإيرانية إجمالاً 7680 ألف كم2، منها ثلث هذه المساحة حدود بحرية 4400 كم2 مع الدول الأخرى، فمع العراق فقط 1400 كم2، ومع تركيا 490 كم2، ومع أفغانستان 940 كم2، وأذربيجان وأرمينيا وكازاخستان بشكل أقل.

عدد سكان إيران في إحصاء 2006م وفق الحكومة الإيرانية 70 مليون نسمة، تعد من أكثر دول العالم الإسلامي تشرذمًا في الجانب العرقي؛ إذ توجد كتلة فارسية وكتلة كردية وكتلة أذرية وكتلة عربية؛ لذلك فإنها تعد تشكيلة ندرت في كثير من الأماكن، على عكس تركيا مثلاً التي يبلغ عدد السكان السُّنَّة فيها 90% من إجمالي عدد سكانها. أما في إيران فعدد السكان السنّة فيها من 8: 10%، وعلى أكثر التقديرات تصل إلى 15%.

كنوز القوة

وعلى الجانب الآخر إيران تقترب من أغلب مناطق الثروات في العالم، فهي قريبة جدًّا من بحر قزوين ملاذ العالم في المرحلة الأخيرة في موضوع البترول تقريبًا؛ فمن المعروف أن منسوب البترول في بحر قزوين تقريبًا 30 مليار برميل، ويتوقع خبراء التنقيب عن البترول أنه مع بدء التنقيب والحفر في بحر قزوين سيصل إلى 200 مليار برميل، وعلى المستوى النفطي يوجد بها كم كبير، وكل الدول المطلة لها مطامع كبيرة جدًّا في بحر قزوين، وإيران تقترب بمسافة كبيرة جدًّا من أكبر منجم للذهب في العالم بأوزبكستان حيث ينتج 50 طن سنويًّا من الذهب، وهي على مقربة كبيرة جدًّا من أكبر منجم للفضة في العالم بطاجيكستان، وبالتالي الوضع الجيبوبولتيكي حرج جدًّا للقوى العالمية مع إيران، وتعد في مقدمة الصراع المرتقب على مصادر الوقود والطاقة.

الأطراف الحساسة:

تتركز معظم الأقليات الإيرانية على تخوم دولة إيران من كافة الإتجاهات وهذا يفرض تحدي كبير على القيادة فى طهران بحكم وجود نزعات إنفصالية لبعض هذه الأقليات العرقية والدينية ، وأبرز هذه المشاكل هى عدم وجود أطراف متحدة مع الكتلة الفارسية في الوسط؛ فروسيا خاضت حروبًا كبيرة، واقتطعت منطقة أذربيجان التي كانت تابعة للملكة الفارسية الإيرانية، وفي اتفاقيات 1882م حدث صراع كبير جدًّا بين الصفويين والخلافة العثمانية من جهة، وصلوا أحيانًا فيه إلى تبريز في شمال إيران، ومن الجهة الأخرى هناك صراع قائم بين الأفغان والإيرانيين تبادل فيه الطرفان السيطرة على أجزاء من البلدين، وبالتالي فإن الأطراف كلها على صدام تاريخي مع الإمبراطورية الفارسية. ثم الاختلاف العرقي والديني الذي زاد الأمور تعقيدًا، فتارةً يفسر رد فعل إيران في كثير من الأحيان على أنه محاولة للإمساك بالخيوط والسيطرة على عدم انفراط النسيج الموجود داخل الدولة الإيرانية؛ فمن المعلوم أن الفتح الإسلامي وصل إلى الهضبة الإيرانية في الفترة الأموية، وكان بها عدد يسير من غير العرب، وفي الدولة العباسية انفتحت المسائل على الجنس الفارسي، ودخلوا إلى البلاط الملكي، وبالتالي زادت شوكة الإسلام في المنطقة بشكل كبير جدًّا. وكما أشرنا أن التشيع تأسس تأسيسًا قويًّا في المرحلة الصفوية، والصفويون كانوا سُنّة من الصوفية، ولكن نتيجة للصدام مع الطرف العثماني استدعوا المذهب الشيعي؛ ليتقوا به، وجعلوه مرجعية لهم في اتجاه الطرف السني العثماني، برغم أنهم من الأتراك.

والاتجاه الصفوي في فترة خلافة إسماعيل الشاه بلغ مبلغًا كبيرًا، حيث بدأت المرحلة الصفوية تتمدد، ووصلت إلى أجزاء من العراق وأجزاء من الخليج، ووصلت إلى أذربيجان بشكل كبير للغاية، وامتدت إلى أفغانستان.

وعلى النقيض من هذا الاتجاه الديني نحو التشيع ظهر اتجاه آخر بقيادة نادر شاه، الذي حاول إجبار الناس على العودة إلى المذهب السني وتثبيته، ولكنه لم يستطع برغم الخلفية المعروفة عن الصفويين في أنهم قبلوا التشيع لمواجهة المد العثماني. وكان التحول الأكبر بعد أن انتقل الصفويون إلى أصفهان، حيث أخذ الطابع الفارسي يصبغ المذهب الشيعي بالتقاليد الفارسية واللغة الفارسية، حتى بدأ تدريسه باللغة الفارسية بعدما كان عربيا

تجسد قوة الشيعية في إيران:

تجلت الحالة الشيعية سياسيا بقوة مع حلول الثورة الإيرانية عام 1979م ونجاحها على يد الخوميني فى الإطاحة بالشاه وطرده خارج البلاد وهذا الحدث له انعكاسات استراتيجية كبيرة على الحالة الشيعية في العالم الإسلامي عموما وداخل العالم العربي بشكل خاص . لأن الثورة الإيرانية إنطلقت من رحم حركة فكرية فقهية جعلا الفقة الشيعي يغادر خانة الإنتظار والترقب – إنتظار ظهور المهدي- إلى فضاء الحركة والفاعلية السياسية من خلال نظرية ولاية الفقية التى روج لها الإمام الخوميني وإعتبارها مرحلة مهمة لظهور المهدي وتتمثل فى إعداد المشهد السياسي والإجتماعي لظهور الإمام الغائب ،وهذا التحول الفكري ومع ما أظهره من نجاحات سياسية على الأرض خصوصا وقت الثورة الإيرانية كان حافزاً للعديد من المراجع الشيعية فى المنطقة العربية والإسلامية نحو تبني نظرية ولاية الفقيه وما يترتب عليها من أنشطة سياسية وإجتماعية وإقتصادية .

ثانيا : دولة أذربيجان

المأزق الأذري الأذربيجاني:

أذربيجان تسمى أرض النار، ويتوفر فيها الغاز بشكل كبير، حتى ظهر على الأرض قبل التنقيب عنه على شكل ألسنة نارية. وأذربيجان كانت تخضع للإمبراطورية الفارسية، وتم التنازل عنها لروسيا عام 1828م، وأصبحت عضوًا في الاتحاد السوفيتي بعد الثورة البلشفية في روسيا.

يحدها من الشمال داغستان، وفي الشمال الغربي جورجيا وأرمينيا، وفي الجنوب الغربي إيران، وفي الجنوب بحر قزوين وتركيا، وعدد السكان 8 مليون نسمة، والمساحة الكلية 86 ألف كيلو متر مربع.

البعد الأذري وعلاقته بإيران والتشيع:

يوجد إشكالية كبيرة جدًّا داخل أذربيجان؛ لأن المكون الشيعي بها حوالي 75% من السكان، إلا أن لغتهم الرسمية هي اللغة التركية، وبالتالي فهناك ميل إلى المصالح التركية، ولكن العاطفة الدينية لهم شيعية، والتركيبة الشيعية تكاد تكون أقرب إلى إيران.إلى جانب وجود نزاع حاد جدًّا على إقليم (ناجورنو كاراباخ) بين أذربيجان وأرمينيا، حيث يشكل هذا الإقليم حوالي 20% من مساحة أذربيجان.وعلى الرغم من أن الأغلبية شيعية إلا أن إيران دعمت أرمينيا في الصراع ضد أذربيجان؛ لأن من مصلحة إيران ألا ينمو الحس القومي الأذربي، ولا يتمدد على حساب نفوذ إيران داخل المنطقة، ومع دخول أذربيجان في الاتحاد السوفيتي خفتت النزعة الدينية الشيعية بأذربيجان.

وقد حدث نزاع حاد بين إيران وأذربيجان على مساحة 35 ألف كيلو متر مربع جنوب بحر قزوين المليء بالنفط، وقدمت عريضة من أذربيجان إلى الأمم المتحدة، وتم تجميد الملف.

ولكن في النهاية يبرز الطرف الشيعي كحالة موجودة ومسيطرة على منابع الطاقة، سواء على الخليج العربي أو محيط بحر قزوين الغنى بالزيت والغاز.

ثالثا: دولة أفغانستان

عدد السكان فيها تقريبًا 30 مليون نسمة ، حوالي 42% من البشتون من إجمالي عدد السكان، يليهم بعد ذلك الطاجيك 27%، ثم الأوزباك 9% من عدد السكان الأزاري من 9 إلى 10%. ومن ناحية أخرى مجمل التشكيلة العرقية في داخل أفغانستان من 20 إلى 25 أقلية عرقية، ويوجد أقليات أخرى بنسبة ضئيلة في المنطقة الخضراء.

ومن هذه الأقليات توجد طائفة الهزارى الذي قيل إنهم من المغول وكانوا مع جنكيز خان، وكانوا سنّة في بعض الأحيان، ومع طغيان الإمبراطورية الفارسية تم تشيُّعهم، و يتراوح عددهم تقريبًا بين 9: 10% من إجمالي سكان أفغاستان،و مع تقدم الثورة الإيرانية عندما أعاد الخوميني طرح مصطلحات جديدة بهدف التغيير وعدم انتظار المهدي وتبني مبدا "ولاية الفقية"، حدث تأثير للهزاري من خلال الطلاب الهزاريين العائدين الذين درسوا في مدينة قم بإيران ونشط التشيع فى أواسطهم من جديد، ومع وصول طالبان للسلطة فى كابول وبسط سيطرتها على أجزاء واسعة من أفغاستان حدثت معارك دامية جدًّا بين الطرف الشيعي الموجود بأفغانستان من الهزاريين وبين طالبان، والتشيع فيها ليس صنفًا واحدًا، فهناك الإمامية والإسماعيلية. وتكمن أهمتيهم الإستراتيجية أنهم في وسط أفغانستان، ومحور ارتكازهم حول كابول.

وكان لهم دور كبير في مقاومة المحتل السوفيتي ، وبدءوا يشاركون في الجهد السياسي مع خروج المستعمر وتقدم الحكم في أفغانستان.

إيران مهتمة بالنزاع الداخلى على السلطة فى أفغاستان وتعد طرف ثانوي فى هذا الصراع بعد خروج الروس بحكم الشراكة في الحدود، وبحكم اعتبار باكستان محسوبة على المشروع الأمريكي، وبالتالي دعمت إيران وبشكل كبير بعض الأحزاب مثل حزب الوداد وحزب النصر الموجود في داخل الهزارى، لتحصل تلك الأقلية على حقوقهم كأفغانيين في ممارسة الأدوار السياسية ومشاركة الدولة في بناء قراراتها.

رابعا: دولة تركيا

التواجد الشيعي في تركيا:

تركيا ذو موقع جغرافي إستراتيجي ؛ حيث إن الجزء الأكبر من مساحتها يحده جنوب غرب آسيا وجزء بسيط جدًّا يحده الجنوب الشرقي من أوروبا، أما منطقة إسطنبول تحديدًا فهي تمثل حوالي 10% من مساحة تركيا، يحوطها مجموعة من المضايق الجغرافية، وبحر مرمرة.

أما المساحة الإجمالية لتركيا فهي 780 ألف كم2، وعدد السكان من 70 إلى 72 مليون نسمة وفق آخر إحصاء قامت به الحكومة التركية، وتتعدد فيها الأعراق والأصول بحكم الخلافة العثمانية التي كانت ممتدة على أقطار كبيرة جدًّا؛ فالأعراق المختلفة الموجودة داخل تركيا كثيرة جدًّا، نتيجة بقايا الإمبراطوريات، حيث إن العالم العربي والإسلامي شهد إمبراطوريات مثل اليونان والرومان والعرب، فالتشرذم فيها كبير نتيجة تعدد الإمبراطوريات.

التقسيم الديموجرافي لتركيا:

نسبة الجنس العرقي التركي يمثل 70: 80% من السكان الأتراك بشكل عام، والأكراد يمثلون 20: 30%، والعرب من 1: 2% في هذه المنطقة، واللغة الرسمية فيها اللغة التركية بنسبة 97% من السكان، ويوجد عدد قليل يتكلم العربية. و20% من الشعب التركي من الشيعة العلويين، يسكنون منطقة جنوب هضبة الأناضول، ولكن هؤلاء الشيعة العلويين في تركيا ليس لهم هرمية دينية أو آيات الله مثل ما في إيران والدول الأخرى، وبالتالي مع تعرضهم للتهميش كانت الطائفة الشيعية العلوية في تركيا من الداعمين جدًّا للمشروع الكمالي -بناء الدولة- وما زالوا حتى الآن متمسكين جدًّا بثوابت الدولة العلمانية في داخل تركيا؛ لذا برزت لديهم هواجس من بروز الأحزاب الإسلامية في تركيا مثل حزب الرفاه وحزب العدالة والتنمية في الفترة الأخيرة، ونجحت تركيا في استيعابهم بقوة والسيطرة عليهم، ليصبح لا علاقة لهم بشكل قريب أو بعيد بالمجتمع الإيراني تمامًا. وحصلوا على مكتسبات كبيرة جدًّا، ليصبح لهم تواجد كبير فى سلك القضاء في تركيا، وأصبحوا داعمين للاقتصاد التركي، وحريصين على الحفاظ على منظومة الدولة التركية.

الخلاصة الإستراتيجية لهذه الورقة:

أولاً:القلب الجيوبولتيكي النابض بالحياة فى الحالة الشيعية فى العالم الإسلامى يقع فى دولة إيران.

ثانياً: هذا القلب الإيراني حريص على مد شراينيه بكافه الوسائل والطرق للتواصل مع الأقليات الشيعية فى بلدان العالم الإسلامي الأخري سواء رغبت هذه الأقليات أم لا عبر القوة الناعمة والصلبة – نموذج قضية الحوثيين فى اليمن وحزب الله فى جنوب لبنان .

ثالثاً:هناك مشروع إيراني جيوبولتيكي فى الإقليم يستخدم كل الأدوات المتاحة لخدمة هذا المشروع ومنها استغلال المذهب الشيعي لخدمة المشروع بدرجة من الدرجات من خلال محاولة تحويل التشيع من حالة مذهبية إلى ولاء سياسي للمصالح الإيرانية

رابعاً:الدول الإسلامية التى بها أقلية شيعية و تتوفر فيها فضاءات للحرية والعدالة الإجتماعية بدرجة من الدرجات هى أقل الدول تعرضا للإضطرابات الطائفية المنطلقة من فضاء النزاع السني /الشيعي – نموذج تركيا

خامساً:الدول الإسلامية السابقة فى الورقة التى لا تتوفر فيها مرجعيات دينية هيكلية خاصة للشيعة مستوي التوتر الطائفي فيها يكاد يكون معدوم مثل دولة أذربيجان وتركيا

سادساً: وجود كم هائل من الثروات الطبيعة مثل الغاز والبترول بالأضافة إلى الممرات المائية الإستراتيجية فى أماكن التركز الديمغرافي للشيعة مثل (إيران ،وأذربيجان) يجعل ملف الشيعة وحركة التشيع حاضر بدرجة كبري فى خطط القوي الإستراتيجية العالمية والإقليمية، وفى ذات الوقت يفرض ضغوطا غير طبيعية على مواقف الشيعة السياسية فى هذه البلدان والمناطق .